فصل: 279- باب النهي عن الافتخار والبغي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.277- باب تحريم الغدر:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بالْعُقُودِ} [المائدة: 1].
قال ابن عباس وغيره: يعني العهود.
قال ابن جرير: والعهود ما كانوا يتعاقدون عليه من الحِلْف وغيره.
وفي رواية عن ابن عباس: يعني ما أحل الله، وما حرم، وما فرض، وما حد في القرآن كله، ولا تغدروا، ولا تنكثوا.
وقال زيد بن أسلم: أوفوا بالعقود هي ستة: عهد الله، وعقد الحِلْف، وعقد الشركة، وعقد البيع، وعقد النكاح، وعقد اليمين.
وقال تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسئُولًا} [الإسراء: 34].
قال ابن كثير: {أَوْفُواْ بِالْعَهْدِ}، أي: الذي تُعاهِدون عليه الناس، والعقود التي تُعاملون بها، فإن العهد والعقد كل منهما يُسأل صاحبه عنه.
1584- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَها: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ». متفق عَلَيْهِ.
فيه: أن الغدر من صفات المنافقين، وكذا بقية الخصال.
1585- وعن ابن مسعودٍ، وابن عمر، وأنس رضي الله عنهم قالوا: قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيَامَةِ، يُقَالُ: هذِهِ غَدْرَةُ فلانٍ». متفق عَلَيْهِ.
1586- وعن أَبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ أِسْتِهِ يومَ القِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدَرِ غَدْرِهِ، ألا وَلا غَادِرَ أعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أمِيرِ عَامَّةٍ». رواه مسلم.
نشر اللواء زيادة في فضيحة الغادر وشناعة أمره، وشهرته بذلك عند الخلق يوم القيامة.
وفي هذه الأحاديث: بيان غلظ تحريم الغدر، ولاسيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير.
1587- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «قَالَ الله تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأجَرَ أجيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِهِ أجْرَهُ». رواه البخاري.
قيل: الحكمة في كون الله تعالى خصمهم، أنهم جنوا على حقه سبحانه، وحق عباده.

.278- باب النهي عن المنِّ بالعطية ونحوها:

قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأذَى} [البقرة: 264].
يخبر تعالى أنَّ الصدقة تُبْطل بما يتبعها من المنّ والأذى، فما يغني ثوابه الصدقة بخطيئة المنّ والأذى. والمنّ: تعداد النعمة على المنعم عليه. والأذى: كالتعيير بالسؤال والحاجة.
وقال تَعَالَى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أنْفَقُوا مَنًّا وَلا أذىً} [البقرة: 262].
قال زيد بن أسلم: حظَّر الله على عباده المنّ بالصنيعة، واختصَّ به صفة لنفسه؛ لأنه من العباد تعيير وتكدير، ومن الله إفضال وتذكير.
1588- وعن أَبي ذَر رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «ثَلاَثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلا يُزَكِّيِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ» قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ مِرارٍ: قَالَ أَبُو ذرٍ: خَابُوا وخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رسول الله؟ قَالَ: «المُسْبِلُ، والمَنَّانُ، وَالمُنْفِقُ سِلْعَتَهُ بالحَلِفِ الكَاذِبِ». رواه مسلم.
وفي روايةٍ لَهُ: «المُسْبِلُ إزَارَهُ» يَعْنِي: المُسْبِلَ إزَارَهُ وَثَوْبَهُ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ لِلخُيَلاَءِ.
في هذا الحديث: غلظ تحريم ثلاث هذه الخصال.

.279- باب النهي عن الافتخار والبغي:

قَالَ الله تَعَالَى: {فَلا تُزَكُّوا أنْفُسَكُمْ هُوَ أعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32].
أي: لا تبرئوها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها.
{هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32]، أي: برَّ وأطاع، وأخلص العمل لله تعالى.
وقال تَعَالَى: {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ في الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ} [الشورى: 42].
أي: إنما السبيل بالمعاقبة على الذين يبدؤون بالظلم.
{وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، أي: يعملون فيها بالمعاصي.
1589- وعن عياضِ بن حمارٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تَعَالَى أوْحَى إلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أحَدٍ، وَلا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أحَدٍ». رواه مسلم.
قَالَ أهلُ اللغةِ: البغيُ: التَّعَدِّي والاستطالَةُ.
في هذا الحديث: الأمر بالتواضع، والنهي عن التفاخر.
1590- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا قَالَ الرجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ، فَهُوَ أهْلَكُهُمْ». رواه مسلم.
والرواية المشهورة: «أهْلَكُهُمْ» بِرَفعِ الكاف وروي بنصبها: وذلكَ النْهيُ لِمنْ قَالَ ذَلِكَ عُجْبًا بِنَفْسِهِ، وتَصَاغُرًا للنَّاسِ، وارْتِفاعًا عَلَيْهِمْ، فَهَذَا هُوَ الحَرامُ، وَأمَّا مَنْ قَالَهُ لِما يَرَى في النَّاسِ مِنْ نَقْصٍ في أمرِ دِينِهم، وقَالَهُ تَحَزُّنًا عَلَيْهِمْ، وعَلَى الدِّينِ، فَلا بَأسَ بِهِ. هكَذَا فَسَّرَهُ العُلَماءُ وفَصَّلُوهُ، وَمِمَّنْ قَالَهُ مِنَ الأئِمَّةِ الأعْلامِ: مالِكُ بن أنس، وَالخَطَّابِيُّ، والحُميدِي وآخرونَ، وَقَدْ أوْضَحْتُهُ في كتاب: (الأذْكار).
قال مالك: إذا قال ذلك تحزُّنًا عليهم لما يرى في الناس- يعني في أمر دينهم- فلا أرى به بأسًا. وإذا قال ذلك عجبًا بنفسه، وتصاغرًا للناس فهو المكروه الذي ينهى عنه.

.280- باب تحريم الهجران بين المسلمين فوق ثلاثة أيام إِلا لبدعة في المهجور، أَوْ تظاهرٍ بفسقٍ أَوْ نحو ذَلِكَ:

قَالَ الله تَعَالَى: {إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10].
أي: والتهاجر والتقاطع خلاف مقتضى الأُخوة.
وقال تَعَالَى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
ومنه قطيعه المسلم وهجرانه بلا سبب شرعي.
1591- وعن أنس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا تَقَاطَعُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا، وَلا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث». متفق عَلَيْهِ.
في هذا الحديث: النهي عن التقاطع والتهاجر. والعمل بهذا الحديث من أعظم الأسباب الموصلة للتآلف بين المسلمين، وقلة الشحناء.
1592- وعن أَبي أيوبَ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ: يَلْتَقِيَانِ، فَيُعْرِضُ هَذَا، وَيُعْرِضُ هَذَا، وخَيْرُهُما الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ». متفق عَلَيْهِ.
فيه: تحريم الهجر بعد ثلاثة أيام، والثناء على البادئ بالسلام.
1593- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ في كلِّ اثْنَيْنِ وَخَمْيسٍ، فَيَغْفِرُ اللهُ لِكُلِّ امْرِئٍ لا يُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، إِلا امْرَءًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيقُولُ: اتْرُكُوا هذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا». رواه مسلم.
في هذا الحديث: وعيد شديد للمتشاحنين.
1594- وعن جابر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيَسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ العَرَبِ، وَلَكِنْ في التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ». رواه مسلم.
«التَّحْرِيشُ»: الإفْسَادُ وتَغييرُ قُلُوبِهِمْ وتَقَاطُعُهُم.
قال الأصمعي: حد جزيرة العرب هو أطراف ما بين عدن أبين إلى الشام طولًا. وأما العرض فمن جُدَّة وما والاها من شاطئ البحر إلى ريف العراق.
وقال بعض العلماء: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة، ونجد، وحجاز، وعروض، ويمن.
وقال صاحب «المُحْكَم»: إِنما سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ بحر فارس، وبحر الحبش، ودجلة، والفرات قد أحاطت بها.
وقوله: و«لكن في التحريش بينهم»، أي: يسعى في إيقاع الخصومات، والشحناء، والحروب، والفتن، ونحوها بينهم.
وهذا الحديث: من معجزات النبوة، لكونه وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم.
1595- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ». رواه أَبُو داود بإسناد عَلَى شرط البخاري ومسلم.
في هذا الحديث: وعيد شديد.
وفيه: دليل على أنَّ الهجر من كبائر الذنوب.
1596- وعن أَبي خِراشٍ حَدْرَدِ بنِ أَبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ. ويقالُ: السُّلمِيّ الصحابي رضي الله عنه: أنَّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ: «مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ». رواه أَبُو داود بإسناد صحيح.
في هذا الحديث: وعيديد شديد لمن هجر سَنَة، وأن ذلك كإراقة دم المهجور فيِ الإثم.
1597- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه: أنًّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوقَ ثَلاَثٍ، فإنْ مَرَّتْ بِهِ ثَلاَثٌ، فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإنْ رَدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ فَقَدِ اشْتَرَكَا في الأجْرِ، وَإنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالإثْمِ، وَخَرَجَ المُسَلِّمُ مِنَ الهِجْرَةِ». رواه أَبُو داود بإسناد حسن. قَالَ أَبُو داود: «إِذَا كَانَتْ الهِجْرَةُ للهِ تَعَالَى فَليسَ مِنْ هَذَا في شَيْءٍ».
قال الخطابي: هذا في هجر الرجل أخاه لعتب وموجدة، فرخص له في مدة الثلاث. فأما هجران الوالد الولدَ والزوج الزوجة، ومن كان من معناهما، فلا يضيق عليهما أكثر من ثلاث، وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم نساءه شهرًا.